إب .. حيث تتحول الفئران إلى هوامير بين عشية وضحاها

مأرب نيوز|مقالات واراء|معتز الجعمي|

في محافظة إب الجميلة، هناك قوانين غير مكتوبة، لا يقرؤها إلا من لديه القدرة على فهمها دون الحاجة لمراجع قانونية أو كتب قديمة. إنها قوانين المشرفين الحـ.ـوثيين الخاصة بإب، حيث يتحول البلطجيـ.ـة واللصـ.ـوص إلى مشايخ وقادة استثمار بين ليلة وضحاها. لا تحتاج إلى خبرة، مؤهلات، أو حتى سنوات من التجربة، فقط احمل سكينًـ.ـا، اعتـ.ـرض طريق شخص ما، واستـ.ـولِ على أرضه، وهكذا تصبح بين كبار المستثمرين!

في إب، تتحول الشوارع إلى مسارح “أكشن”، حيث البلطجيـ.ـة هم أبطال المشهد، والمساكين يلعبون دور الكومبارس الذين يستعرضون مظلوميتهم بكل إخلاص. ما أن تلمع العين الشـ.ـريرة من مشرف جديد حتى ترى تلك الوجوه البريئة تركـ.ـع بسرعة مذهلة كما لو كان الأمر جزءًا من تدريب عسـ.ـكري صـ.ـارم. هؤلاء المساكين لا يسألوا “لماذا؟”، فكل ما يحتاجونه هو إشارة من إصبع، وبسرعة يتحولون إلى أدوات تنفيذية طيعة.

هنا في محافظة إب البطلة ، نحن أمام فن جديد يسمى “فن الانبطـ.ـاح”، حيث يتم التدريب عليه منذ الصغر. تعلم كيف تـ.ـذل نفسك بكل رشاقة، استجب للإشارات بدون تساؤل، فإن قيل لك “اركـ.ـع”، تنحني وكأنما كنت تنتظر هذه اللحظة طوال حياتك. وإن قيل لهم “اصـ.ـرخوا”، تراهم يصيحون بأعلى أصواتهم حتى يظن المارة أن هناك مسابقة في الصراخ الوطني.

والأكثر إثارة، هو مشهد الدخول إلى السجن، حيث لا يكون هناك مقـ.ـاومة أو احتجاج، فقط يسـ.ـوقونهم كما يذهب الحجاج إلى مكة. “ادخلوا السجـ.ـن”، يقول أحد المشـ.ـرفين الجدد، وما إن يكمل جملته حتى ترى المساكين يدخلون السجـ.ـون طائعين كما يدخلون المسجد يوم الجمعة. لا اتكلم هنا على الضعفاء بل على وجهاء المحافظة ..

ثم يأتي اللـ.ـص من خارج المحافظة، يضع نصب عينيه قطعة أرض أو عقار، يستـ.ـولي عليه بكل سهولة، ثم يصبح في اليوم التالي “شيخًا” أو “هامور استثمار”. وهكذا تبدأ دورة الحياة من جديد. أما أصحاب الأراضي الأصليين، فيتحولون بسرعة البرق إلى مؤيدين مخلصين لهذه “الهوامـ.ـير” الجديده، ويبدؤون بترديد عبارات الـ.ـولاء والطاعة في كل مجلس أو مناسبة.

الملفت في الأمر أن هؤلاء المساكين لا يحتاجون حتى إلى دعوة خاصة، فهم ينقـ.ـادون كالنعـ.ـاج إلى الذبـ.ـح دون أن يتساءلوا لماذا، وكيف. ربما لأنهم يدركون أن مقـ.ـاومة نظـ.ـام المشـ.ـرفين في المحافظة هو بمثابة مقـ.ـاومة قوانين الجاذبية. إذا قيل لهم انبطحـ.ـوا، انبطحـ.ـوا. وإذا قيل لهم اصرخـ.ـوا، صرخـ.ـوا. أما إذا جاء الدور على اعتـ.ـقال الرجال الشرفاء وسجنهم ،

فلا داعي للغرابه سترى اصحاب العمائم الكبيرة والبطـ.ـون المنتفخـ.ـةمن أبناء المحافظة وجلدتها ، يذهبون بأنفسهم لتنفيذ أوامر الاعتـ.ـقال تراهم كالاسود أمام أبناء جلدتهم بل هم من يرفعون بأسمائهم ويبلغون عليهم، تقرباً للمشـ.ـرف أو للمستثمر الذي أتى من خارج المحافظة… يأتي اشعث اغبر مطعمه حـ.ـرام ومشربه حـ.ـرام وغـ.ـذي بالحرام، أن يستجيب الله لهذا وهو ارحم الراحمين فما بالكم يا أبناء إب البطلة تستجيبون لهم وتنبطـ.ـحون أمامهم أذلاء صاغـ.ـرين؟؟!

في نهاية المسرحية، نرى هؤلاء المستثمرين الجدد قد أصبحوا هم السـ.ـادة، بينما يظل المساكين راضين بدورهم في الخلفية. ربما لأنهم اعتادوا على هذه الحياة، أو ربما لأنهم يدركون أن البقاء للأقـ.ـوى، وفي إب، الأقوى هو من يعرف كيف يستولي على ما لا يملكه.

الحقيقة ، إب ليست مجرد محافظة، إنها مسرح دائم لأكشن لا ينتهي، حيث الأبطال هم لصـ.ـوص الأمس، والضحايا هم ملاك اليوم.

‫3 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

اكتشاف المزيد من مأرب نيوز

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط لإظهار العروض الترويجية التي تناسب اهتماماتك، وتعزيز تجربتك على موقعنا.
قبول
رفض